سعيد رضواني: روائي وقاص مغربي رائد في التجريب السردي

سعيد رضواني (مواليد 1972) هو قاص وروائي مغربي بارز، يُعرف بمنهجه المبتكر والتجريبي في الكتابة السردية. تقدم أعماله رؤى جديدة ومعاصرة للذات والعالم، مستفيدًا من تراث أدبي غني ومتجذر.
صدرت لسعيد رضواني مجموعتان قصصيتان:
- “مرايا” – عام 2010
- “قلعة المتاهات” – عام 2022
وفي هذا العام، صدرت روايته الأولى، “أبراج من ورق”، عن دار الآداب، لتضاف إلى إنجازاته الأدبية.
رؤية سردية متفردة
يتميز أسلوب سعيد رضواني في الكتابة بفرادة سردية؛ فهو لا يكتفي بالكتابة فحسب، بل “يصمم ويهندس” قصصه. يتبنى رضواني التجريب كاستراتيجية أساسية، موظفًا تقنيات وزخارف جمالية متنوعة في عوالمه السردية والخيالية. يتجاوز هذا النهج التجريبي مجرد الشكل، ليقدم محتوى معرفي عميق وفكرًا نقديًا يتصدى للسرديات السائدة والتافهة والمبتذلة، دون ادعاء التغيير الساذج للواقع. ومع ذلك، لا تخلو كتاباته من بهجة الأمل الذي يتخلل السرد، ويجد في دوار اللغة عزاءً فريدًا.
مصادر الإلهام والتأثرات
في حوار معه، يكشف رضواني عن رحلته الأدبية ومصادر إلهامه:
ما الذي قادك إلى حكاية السرد؟ “ربما قادتني إليها الذات الحالمة التي كانت ترى في السرديات الكبرى، قبل انهيار معظمها، خلاص العالم، رغم أن هذه السرديات كانت منغلقة على نفسها عقائديًا وأيديولوجيًا، إلا أن فسحة الخيال فيها كانت شاسعة، تتيح للفرد الهيام في عوالم أخرى، سواء أكان مع هذه السرديات الكبرى أو السرديات المضادة؛ إنه الصراع المولد لحركية الخيال، أو قادني إليها كياني الذي كان وما زال يرى أروقة المكتبات أروقة معابد، وطقوس الكتابة طقوس صلاة.”
ما هي المصادر أو الينابيع التي فتحت عينيك عليها، أو التي اطلعت عليها في سبيل تشييد عالمك السردي؟ “من يعتبر المكتبات معابد أكيد سيصلي في معابد بوذا والشنتو والزن مع ياسوناري كاوباتا ويوكيو ميشيما وريونوسوكي أكوتاغاوا، قبل أن يصلي مع هاروكي موراكامي.. وسيصلي في المساجد مع المنفلوطي والغزالي وابن رشد، قبل أن يصلي مع صفوف طويلة مع المبدعين الذين جادت بهم قريحة هذه الجغرافية الشاسعة، التي تمتد من المحيط إلى الخليج.. وسيخشع في كنائس الأدب مع جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، قبل أن يعتنق ديانة التسامح مع هؤلاء وغيرهما، وقبل أن يصعد إلى المكتبة التي في قمة الجبل ويخلو للتقرب إلى نفسه عبر النهل من أمهات الكتب، التي أنجزت على مر العصور، قبل أن يتعرف على الأدب الروسي وأدب أمريكا اللاتينية، اللذين غيرا بوصلتي الأدبية وساقاني إلى التخوم القصوى التي تطل على أغلب المعارف التي أنجزها الفكر البشري في شتى المجالات: فلسفية وعلمية وأدبية..”
التجريب في “مرايا” و”قلعة المتاهات”
تتسم مجموعتا رضواني القصصيتان، “مرايا” و**”قلعة المتاهات”**، بانفتاحهما على تقنيات سردية وموتيفات جمالية جديدة ومغايرة، لا تخلو من نزعة تجريبية-عجائبية.
هل هو سأم من الواقعية بأنواعها؟ “الواقعية بكل أنواعها قد تلائم ذوقي في القراءة، لكنها لا تتناغم مع ذوقي في الكتابة؛ ولذلك أحاول ما أمكن في إبداعي أن أنزاح عن هذه الواقعية مجربًا أشكالًا جديدة في الكتابة، وأنا أعرف أن التجريب، إذا لم يحتفظ بروح الحياة في متنه، سينقلب إلى تخريب لا غير. لقد نجح كل من خورخي لويس بورخيس وخوليو كورتازار في نفخ الروح في نصوصهما، ولذلك فرضا بصمتيهما على الأدب العالمي، لكن الكثيرين أخفقوا في تجاربهم، ومهما يكن يبقى المجرب والمجدد أفضل بكثير من المقلد. وفي مجموعتيّ القصصيتين ‘مرايا’ و’قلعة المتاهات’ حرصت على أن أهتم بالشكل مع محاولة التجديد فيه، وأعتقد أن العجائبي كان في الشكل أكثر مما في المضمون في محاولة مستميتة للتمرد على الأدب الفانتاستيكي نفسه، لأني كنت شبه متيقن أن الأدب الفانتاستيكي الذي يعد تجريبيًا في أشكاله الجديدة هو تقليديًا في جوهره، وكثيرة هي الأعمال الأدبية الفانتاستيكية الكلاسيكية.”
هل تعتقد أن التجريب يمكن أن يطاوع دائمًا رؤية الإبداع لدى الكاتب، ومن خلالها يستطيع أن يؤسس رؤية “نقدية” للعالم خارج سرديات السائد؟ “لا أعتقد فقط، بل أثق في أن التجريب المؤسس المستند إلى دعامات نظرية متينة، هو الوحيد الذي يستطيع أن يخلخل النماذج السردية السائدة ليساير التحولات التي حدثت في الأنفس بعد انهيار السرديات الكبرى ومعها الكثير من القناعات والأحلام، مثلما انهار الأمل في التغيير. قد تؤسس سرديات أخرى وتنتعش معها الأحلام من جديد، لكن هذه المرحلة الآنية هي مرحلة انعطافية وجيلنا جيل تجريب، كما أبدع في التجريب، هو أيضًا جيل مورس عليه التجريب. جربوا فينا كل مناهجهم التي لا ترتكز على أسس متينة، والنتيجة جيل شبه ضائع مهما حقق من نجاحات، الانهيار الداخلي صعب ترميمه. أعود وأكرر أن التجريب الذي أقصده هو التجريب الذي يحافظ على روح الإبداع، والذي يظل يمتح من الإبداعات الكلاسيكية، التي كانت هي نفسها تجريبًا ذات زمن، أما التجريب الذي يدعي الثورة على الإبداع الكلاسيكي، والقطيعة نهائيًا مع الأشكال القديمة فلا أتبناه، لأنني أستمد روح الإبداع من الإبداع الكلاسيكي الذي عرف كيف يخلق شخوصًا تدب فيها الحياة.”