ثقافة و فنون

خط الثلث المغربي: سيمفونية الحبر على جدران التاريخ الأندلسي المغربي

5
(1)

يُعد خط الثلث المغربي أحد أصعب وأرقى فروع الخط العربي، فهو ليس مجرد وسيلة لتدوين النصوص، بل هو “هندسة روحانية” ظهرت بآلات جسمانية. في المغرب، اتخذ هذا الخط مساراً تفرّد به عن نظيره المشرقي، ليصبح علامة فارقة في الهوية البصرية للمغرب الكبير والأندلس.

1. الجذور التاريخية: رحلة الحرف من المشرق إلى فاس

استلهم المغاربة “خط الثلث” من المشرق في بداياته، لكن العبقرية المغربية لم تقف عند حد المحاكاة. مع بزوغ فجر الدولة المرينية، بدأ الخطاط المغربي يضع لمساته الخاصة، حيث استبدل القواعد الصارمة لـ “ابن مقلة” بمرونة وانسيابية تتناسب مع العمارة المغربية.

  • الربط التاريخي: ارتبط هذا الخط بالمساجد والمدارس العتيقة، حيث كان الخطاط يعمل جنباً إلى جنب مع “المعلم” (النقاش على الجبس أو الزليج) لخلق تناغم بصري مذهل.

2. الخصائص الفنية: ما الذي يميز “الثلث المغربي”؟

يختلف الثلث المغربي عن الثلث المشرقي في تفاصيل دقيقة لا يدركها إلا ذوو الذوق الرفيع:

  • الترويسة (Le Bec): الحروف في الثلث المغربي غالباً ما تنتهي بترويسات (رؤوس) أقل حدة وأكثر استدارة، مما يعطي انطباعاً بالليونة.
  • التشابك والتركيب: يشتهر الخطاط المغربي بقدرته العالية على “التراكيب المعقدة”، حيث يمكن كتابة آية كاملة في مساحة دائرية أو مربعة صغيرة دون أن يفقد النص وضوحه أو توازنه.
  • المساحات البينية: يتم استغلال الفراغات بين الحروف ببراعة عبر إضافة “الحركات الإعرابية” و”الزخارف النباتية” الصغيرة، مما يجعل اللوحة تبدو كقطعة ثوب مطرزة.

3. الثلث المغربي في العمارة: “كلام الله المنقوش في الحجر”

إذا قمت بزيارة ضريح محمد الخامس بالرباط أو جامع القرويين بفاس، ستجد أن الثلث المغربي هو البطل الحقيقي للمكان.

  • النقش على الجبس: يُعتبر الثلث المغربي الخط الوحيد الذي يطاوع “المنقاش” ليتحول من حبر على ورق إلى نتوءات وظلال على الجبس، مما يخلق تلاعباً بالضوء والظل داخل المساجد والقصور.
  • الخشب والرخام: لا يقتصر على الجبس، بل يمتد للنقش على خشب الأرز المطعم بالألوان الطبيعية، مما يعكس الفخامة المغربية الأصيلة.

4. رواد الخط المغربي المعاصرين

اليوم، لم يعد هذا الخط حبيس الجدران القديمة، بل انتقل إلى اللوحات التشكيلية (Hurufiyya). أسماء مغربية لامعة استطاعت تطويع هذا الخط في معارض دولية، مبرزةً قوة الحرف العربي كعنصر فن معاصر يتجاوز حدود اللغة.

المجلة العربية.

ما مدى فائدة هذه المنشور؟

انقر على نجمة لتقييمه!

متوسط التقييم 5 / 5. عدد الأصوات: 1

لا يوجد تصويت حتى الآن! كن أول من يقيم هذا المنشور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى